نلحظ كثيرا أن هناك عملية إستقطاب مباشر أو غير مباشر للمرأة المسلمة حتى تصير على الصورة التي يريدها أعداؤها، كما نلحظ نوعا غريبا من قبول وإستكانة كثير من نساء أمتنا لذلك الإستقطاب، حتى صرنا أنفسنا عنصر ضغط جديد على أمتنا روح.. وهي التي تئن دوما من الضغوطات..
وصارت بعض نسائنا بالتالي تطالب بالحرية والمساواة مع الرجل في كل حق من حقوقه دون إعتبار لإختلاف الجنس أو الأدوار التي تصلح لكل منهما، ولا مدى ملاءمتها لطبيعتها كأنثى، ولا حتى لموافقتها لدينها وقيمها وعاداتها وأعراف بلدها، ولا لأي إعتبار آخر وضعه الشارع في توزيع الوظائف المنوطة بكلاهما..
أحلام صدقتها بعض نساء أمتنا من غير أن تدرك المخطط الخطير الذي يحاك ضدها، وأنها إنما تستغل كوسيلة لغاية هي تخريب البيت المسلم...
إن التغيير الذي آلت إليه المرأة جعلها تطاول عنقها وتشرئب متطلعة نحو حياة غريبة عن حياتها التي تنبغي لها، وإمتد ذلك الإغتراب من إغتراب ملابسها وعاداتها إلى إغتراب طال تفكيرها وقيمها ومبادئها وطموحاتها إن ذلك كله، ليس إلا مجرد ترجمة لمعنى الإنبهار الذي خالج شعورها بكل ما لدى الآخر الأجنبي عنهما، ولو كان لا يوائم المجتمع والبلد التي تنتمي إليه، ولو كان يعبر عن ثقافة وشريعة وحضارة مخالفة... تقتلعها من جذورها..
إنها مجرد رغبة ثائرة متمردة عن كل ما هو أصيل، وكل ما يربط المرء بتاريخه وحضارته وثقافته ودينه.. إنه العشق المجنون بتقليد الآخر في كل شيئ مختلف ولو كان إختلاف تضاد، وإختلاف يفصل الواحد عن أرضه وعن بلده وعن أهله..
إننا لسنا بحاجة لنتغرب عن أوطاننا ونحن لم نرحل عنها، أو أن نتحول لصورة مشوهة لا تمثلنا، ولا تمثل الآخر الأجنبي عنا، إنما بحاجة لرجل وامرأة يدركان أن كلاهما يكمل الآخر، ويقيم معه بناء هذا المجتمع المسلم.
إننا بحاجة ماسة لمن يترجم لنا الترجمة الحقيقية للإسلام، الذي يرتبط بالواقع والمستجدات المتغيرة والأحداث والوقائع النازلة..، إننا بحاجة لمن يتحرك بالقرآن وبالسنة قولا وفعلا وتقريرا.. حيث لا يمكن أن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقد صلح أول هذه الأمة بالإعتصام بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه السلف الصالح، وبعدم التنازل عن الثوابت.
وبإعتباري امرأة مسلمة، يجدر بي أولا أن أشعر بالفخر والإعتزاز أني كذلك، وأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي رفع من قدر المرأة وشرفها التشريف الذي يليق بأنوثتها، ويحفظ لها كرامتها ولا يهينها، ويعزها ولا يذلها، ويحافظ عليها جوهرة مكنونة في أصدافها، ولا يكسرها فتتناثر على أرض تدوس عليها أقدام تمحو بريقها...
ثم علي ثانيا أن أدرك أنه كما أن لي حقوقا أحافظ عليها، كذلك علي واجبات ألتزم بها، وحتى لو جار علي غيري في حق من حقوقي لا أجور، إنما ينبغي على أن أنطلق من الأنا التي بداخلي قبل أن أتجه إلى الآخر الذي ينفصل عني، وأرى ما في نفسي من ظلم لغيري قبل أن أطالبه بالعدل والإنصاف معي، فعندما أقوم بحقوقي، وأغير ما بنفسي، وأقوم إعوجاجها وإنحرافها، وأنظر إلى مرآة نفسي حينها أكون أقدم نموذجا للمرأة المسلمة الصالحة، التي تعي جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقها، وفي الوقت نفسه أربي نفسي وغيري على كيفية الحفاظ على حقوقهم، وحقوق غيرهم، ولقد وجهنا الحق سبحانه توجيها بليغا لهذا المعنى حين قال سبحانه وتعالى: {إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم وإذا أراد الله بقومٍ سوءً فلا مرد له ومالهم من دونه من والٍ} [الرعد:11] فإن الأمة لن تتغير إلا إذا تغير أفرادها، إلا إذا غيرت أنا وأنت وهو وهي أسلوب حياتنا بما يوافق شرع الله، حينها لا أحتاج لمن أطالبه بحقي ولا من يطالبني بحقه، لأن كل فرد منا يعي تماما أن له حقا وعليه واجب، فلا يجور على حق غيره، ولا غيره يجور على حقه، عندها سنصبح أفراداً وأمة أهلاً لموعود الله بأن يغير الله ذلنا إلى عزة وضعفنا إلى قوة وهواننا إلى تمكين.
إن التغيير الحقيقي ينجح عندما أقلب الصفحات داخل قلبي أولا، ثم أعيها بعقلي، فأدرك قيمة الحروف والكلمات في التعبير عن ذاتي، في صياغة توافق الأحكام والمبادئ والقيم التي رباني عليها ديني، فأشعر حينها بقيمة الكلمة وبعظمة جوهر المعنى الذي تحمله، فتسرع أناملي لتخطها رسما بالحبر على الورق..
إن التغيير الحقيقي يبدأ من هذا القلب الذي قال عنه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» حينها سأنطلق إنطلاقة صحيحة، وسأسلك الطريق الهادي إلى تطبيق الإسلام في أقوالي وأفعالي، وفي علاقتي بربي وعلاقتي بمن حولي، فلا أجور في آداء حق على حساب الآخر بل العدل الحق يكون في إعطاء كل ذي حق حقه.
وإنطلاقا من وعيي بواجباتي أولا إتجاه من حولي، وإبتداء من داخل بيتي وفي حضن أسرتي الصغيرة والكبيرة، ثم إنتقالا إلى أفراد المجتمع الذي أنا فرع من أصله، ونبات في أرضه.
عندما أتعلم وتتعلم كل امرأة معنى قول الحق سبحانه: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} [آل عمران:195] هذه الآية الكريمة التي تنبه المرأة المسلمة لتضطلع بدورها القيادي والريادي في المجتمع وفي الحياة وتدعوها لتحمل مسؤوليّتها في بناء الحضارة الإنسانية.
وأول خطوة تمكنها من تحقيق ذلك كله أن تشعر أولا بمسؤوليتها أمام الله.. وأن تشعر بمسؤوليتها نحو بيتها وأسرتها ثم أمتها.. وكلما زاد شعورها بقيمة وعظمة هذه المسؤولية، كلما زاد عطاؤها، وتضاعف جدها ونشاطها وصرفها عن التقصير، ودعاها لتتحمل قسطًا من أعباء الإصلاح والبناء..
إن الحرية الحقيقية هي أن تشعر المرأة أنها تمتلك قلبا لم يودع بداخلها عبثا ينبض بالحياة، وإنما يتحرك بالله ومع الله ولأجل الله، هنا تمارس أول حق من الحقوق قبل أن تطالَب بما سواه هو: حق الله ثم حقوق العباد التي تتفرع عنها مجموعة حقوق منها ما يحتل موقع الصدارة كحق الرحم ثم حق الزوج ثم حق الولد.
خلاصة القول: ينبغي علي أن أنظر إلى يدي ماذا تحملان وكيف تتحركان وكذا كل جارحة في ماذا تحمل وكيف تتحرك بما تحمله وفيما تصرفه في الزمن وعلى المساحة التي تتحرك فيها، وإلا سأكون مثل ذلك الفرس الذي يركض وقد أضاع لجامه، أو أكون أقيم خيمة تطل على واد سحيق، وخلفها تكمن العاصفة.
حينما أخاطب نفسي منفردة بالكلام، ولا أنصت لصوت غيري أجور على حقه في الإنصات، وعلى حقه في الإدراك، وعلى حقه في آداء ما له من حق.
لهذا ينبغي على أن أوقد النار في مصباحه وأطرد الرماد، وأوقد عينان مغمضتان طال عليهما سهد النوم الثقيل، وأحيي موات العشب الأخضر بداخلي، فأسقيه بغيث الإيمان واليقين حتى يصرخ صوت الضمير فيوقظ كل موات بداخلي، وأن لا أطيل حبل اللوم، لكي لا يتعثر فيه المشاة.
الكاتب: صفية الودغيري.
المصدر: موقع المنتدي الإسلامي العالمي للإسرة والمرأة.